فيصل مصطفى يكتب : بعد رحيل زعيمها .. "فاجنر" إلى أين ؟

الكاتب الصحفى فيصل مصطفى
الكاتب الصحفى فيصل مصطفى

بسقوط الطائرة الروسية التي كانت تقل " يفجيني بريجوجين" قائد فاجنر، ونائبه "ديمتري أوتكين" ، وعدد من مساعديه وسقوطهم جميعا قتلى ، يكون قد انتهى فصل هام من فصول ميليشيا " فاجنر" .
 
وفاجنر، شركة تأسست في بدايات عام 2012 ، وأنشأها " يفجيني بريجوجين" وهو ضابط سابق بالجيش الروسي  وكان من المقربين ل فلاديمير بوتين زعيم روسيا الاتحادية ، وكان يمارس كثير من الأعمال والأنشطة التجارية والمالية ، ثم اتجه إلى إنشاء شركة تجارية خاصة ، تقوم بعمليات عسكرية وشبه عسكرية ، وعمليات استخبارية ، وتجنيد مرتزقة، والاشتراك في عمليات وحروب في أماكن مختلفة من العالم ، بمقتضى عقود تجارية ، مثل عقود المقاولات والاستيراد والتصدير وغيرها من العقود التجارية التقليدية وهو نمط تجاري ، تم من خلاله تنظيم مهنة قديمة للغاية وهي مهنة تعود في تاريخها إلى قرون عديدة ماضية ، وهي مهنة المرتزقة ، التي أخذت شكلا مؤسسيا تجاريا وماليا واقتصاديا، بجانب عملها العسكري والإجرامى . والحق يقال أن مثل هذه الشركات ليست قاصرة على روسيا وحدها، وإنما نجد مثلها في العديد من البلدان المختلفة، وبعضها تحت مسميات متعددة ومتنوعة.
 
على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك شركة بلاك ووتر ، وهي تقوم بنفس الأعمال ، التي تقوم بها شركة فاجنر. وتشارك في خدمة المخططات الأمريكية في بقاع عديدة من العالم، فنجدها تقاتل في العراق. وقامت بارتكاب العديد من الفظائع والجرائم هناك . ونجد لها نشاطا مماثلا في سوريا وإيران، وفي بقاع مختلفة من العالم .
 
 فلا توجد دولة من الدول الكبرى أو حتى الدول المتوسطة إلا ولديها أكثر من شركة تعمل في هذا المجال  . ولكنه في النهاية تعمل وتنخرط في إطار مخابراتي استراتيجي خاص بالدولة التي تحمل جنسيتها.
 
في هذا الإطار، ظهرت على السطح مؤسسة فاجنر ، لكي تكون منافسا خطيرا لشركة بلاك ووتر الأمريكية، وهو أمر طبيعي وامتداد للمنافسة التقليدية بين روسيا وأمريكا في كل المجالات ، خاصة في المجال العسكري، وما يتصل به من أوجه وميادين ونشاطات متعددة ومتنوعة .
 
وشاهدنا نشاطا ملموسا لدى فاجنر في ليبيا ، والحفاظ على المصالح الروسية في الجفرة، حيث توجد حقول الغاز وحقول البترول، وشاهدنا نشاطا لها في سوريا، وفي أماكن متعددة من العالم، ومنها أفريقيا . وقد لعبت هذه القوات دورا كبيرا وملموسا في الحرب الروسية الأوكرانية، وربما ما زالت تلعبه حتى هذه اللحظة، وقامت بمجهود كبير ساعدت فيه الجيش الروسي النظامي .
 
واستمرت فاجنر في التواجد القوي وسط الأضواء العالمية، ومن خلال المتابعة الدقيقة لنشاطاتها المتعددة ورئيسها، فهو لم يكن مجرد ضابطا روسياً فقط، ، أو رجل أعمال روسي ناجح، ولكنه من الواضح إنه كان مثل غيره ممن يتولون إدارة وقيادة مثل هذه الشركات على علاقات قوية بالمافيا الروسية والعالمية، وأيضا على علاقات قوية بأجهزة استخبارات متعددة، وهو أمر طبيعي، لأن كل هذه الأمور تدخل في نطاق النشاط العادي للشركة.
 
وبالتالي، شاهدنا نموذجا جديدا خلال السنوات ال20 الماضية بين العديد من هذه الشركات، وإن كان في المقدمة دائما، كانت شركة بلاك ووتر الأمريكية و فاجنر الروسية.
 
لكن الشيء المثير والذي شد الأنظار في العالم كله ، ما حدث فجأة وبدون مقدمات منذ بضعة أشهر من صدام بين " يفجيني بريجوجين" قائد فاجنر ، وبين  "سيرجي كوجوجيتوفيتش شويجو" وزير الدفاع الروسي ، و"فاليري جيراسيموف" رئيس الأركان الروسي ، واتهامه علنا لهما ، بأنهما يعرقلان عمل  قواته في حربها مع أوكرانيا، ، وهو الأمر الذي إعتبره بمثابة مؤامرة من وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسي.
 
 واعتبر بعض المراقبين أن هذه الأزمة ما هي إلا انعكاس لصراع شخصي وغيرة شخصية ما بين وزير الدفاع الروسي وقائد فاجنر ، وخوف وزير الدفاع الروسي على منصبه من أن يكون قائد فاجنر ، مرشحا لكي يجلس مكانه .
 
وتطورت الأزمة بينهما إلى حد الصدام العلني، ثم تطورت بعد ذلك إلى ما هو أبعد، حيث أعلن قائد فاجنر فجأة التمرد على الرئيس بوتن . وكان من الواضح أن الرئيس بوتن قد انحاز إلى وزير الدفاع ورئيس أركانه في صراعهما مع قائد فاجنر، مما  أدى إلى إعلان التمرد وتهديده بالقيام بانقلاب عسكري ، وزحف قواته نحو موسكو، ثم حدثت تدخلات عديدة داخل الإدارة الروسية ، ومن بين حلفائها المقربين، وتم التوصل إلى حل وسط يتمثل في إنهاء التمرد وعدم السماح لقوات فاجنر بالاقتراب من العاصمة ، وإنهاء محاولات الشروع في انقلاب مقابل رحيل  قائد فاجنر إلى بيلاروسيا ، حيث يقيم ما تبقى له من عمر هناك، وكان هذا حلا وسطا .
 
 ولكن فجأة وبدون مقدمات ، عاد قائد فاجنر مرة أخرى، بعد بضعة أشهر للأضواء، وغير معروف على وجه الدقة، عما إذا كانت عودته تمت بموافقة الرئيس بوتن أو رغم أنفه ، أو تمت في إطار مؤامرة تستهدف التخلص منه وتصفيته جسديا.
 
وعلى كل فقد ظهر قائد فاجنر فجأة ، في فيديو له وهو يرتدي الملابس العسكرية، ويحمل سلاحه وسط قواته، ويؤكد إنه يتكلم من أفريقيا، ويمارس مهامه من هناك . لكن فجأة أُعلن عن سقوط طائرة خاصة ، كانت تقله ونائبه وعدد من مساعديه، وهم في رحلة داخلية بين موسكو إلى مدينة بطرسبرج الروسية تاني المدن الروسية، والتي كانت تسمى تاريخيا بمدينة لينينجراد في العصر السوفيتي.
 
عموما  قائد فاجنر، ونائبه قد اختفيا عن المشهد السياسى ، وأن المسرح الداخلي في روسيا لم يعد به أي ثغرات يمكن أن تتسلل منها المخابرات الأمريكية أو أي جهاز معادي لروسيا التي تخوض حربا تاريخية الآن ضد حلف الناتو  في أوكرانيا .
 
والثابت يقينا أيضا أن هذا الأمر يفتح المجال واسعا للعديد من التكهنات، هل تبقى فاجنر؟ وهل تستمر تحت إدارة جديدة تخضع بالولاء الكامل للرئيس بوتن وجهاز مخابراته الكي جي بي وقواته المسلحة بقيادة وزير دفاعه ؟ أم ينتهي دورها ويتم حلها ؟ ويتم دمج جنودها والأفراد العاملين فيها من الروس في الجيش الروسي؟ واستبعاد الأجانب الآخرين وعودتهم إلى بلادهم؟ أم يتم الإبقاء عليها في مهام داخلية ومهام غير عسكرية ؟ 
 
كل هذه الأسئلة مطروحة .. وإجاباتها قد تظهرخلال الفترة المقبلة ، حيث سيتابع المراقبون عن كثب ما يحدث هناك، وما يترتب على اختفاء قائد فاجنر ونائبه، ويجدون الإجابات الشافية على هذه التساؤلات المطروحة.
 
 
 
 
 

ترشيحاتنا